Jabra Ibrahim Jabra

يمتلك جبرا ابراهيم جبرا قوة سحرية في جذبكم إلى داخل عالمه ، يكتب الرواية بحسّ انساني عالي بحيث تشعرون لوهلة أنكم أحد ابطالها !
هذا التقمص الرهيب يحدث بسبب التركيز على التفاصيل الدقيقة ، التفاصيل التي قد نعتقد أحياناً بأنها غير مهمّة.
انتهيت مؤخراً من رواية البحث عن وليد مسعود وكانت رائعة جداً لدرجة أنني امضيت فترة طويلة نسبياً لإنهائها وهو وقت لا امضيه مع كتاب من هذا الحجم ، إلا أنني كنت كلما انتهي من فصل ابقى مبهورة، محاصرة بالحديث عن وليد مسعود الثائر ، الشاعر ، الكاتب ، الفنان . . الخ.

” الحياة تتفجر دائماً إلى الأعلى، إلى الجانبين، إلى الأسفل. فإذا حاولوا ارغامها على التصخر فإنها لا بد يوماً أن تنفجر في وجوههم كالقنابل مهما بدت مستكينة “.

وليد مسعود يختفي في ظروف غامضة وفي سياق الحكاية ومن حديث الاصدقاء عنه نتعرف أكثر على الظروف التي دعته للاختفاء أو اختطافه ، أو مقتله !
وليد يحمل بين اضلعه قضية ارضه المنهوبة وشعبه والمخيّم . .
وليد لم يعش حياة واحدة ، عاش حيوات متعددة ، في الحقيقة وأنا اقرأ اكتشفت ضآلة الذي عشته منذ مولدي ، وكيف بأنني لم أعش سوى لمحة !
أو كما قال ماريو سواريز في فيلم تانغو : كنت اسبح في السطح، لم اصل العمق أبداً خشية الغرق.



” الحبّ يحفز في المحبين كل الدوافع التي يخشاها المجتمع، ولا يبقى لرادع قيمة. الروادع بالنسبة إلى المجتمع، مهمة للحفاظ على هيكل العلاقات السليمة بين الناس، ولكن الحب يتجاهلها كلها وكأن المحبين في مجابهة مستمرة لا مكانية القتل أو الموت، وهذه المجابهة بالطبع تزيد من اللوعة والمتعة، فيزيد التصميم عليها وهكذا يدور المحبّون في حلقة مفرغة لا تنتهي “.

من أحد المقاطع التي توقفت عندها كثيراً وذكرتني بنفسي ، هذا الذي جاء على لسان ابراهيم الحاج نوفل :

” لقد اكتشفت أن الوظيفة بالنسبة إليّ مضيعة للوقت، فضلا عن أنها مهانة للإنسان في معظم الأحيان، وجدت انها العبودية الجديدة، استرقاق منظّم منذ أيام البابليين والفراعنة. وفي اتساع مستمر، لأسياد صغارهم أنفسهم مسترقون لأسياد لهم. في هذا الرق تقنن لكل عبد حصته الهزيلة من العيش، ويطرقع السوط فوق رأسه كل يوم في شكل أوامر وعقوبات تتكدس على المناضد المتهافته في الغرف المكتظة.
ويتحايل العبيد كيفما استطاعوا على الأوامر والعقوبات إلى أن يتحرروا بعد عشرين، ثلاثين سنة، بالإحالة على التقاعد.
وتأتي حريتهم هذه وقد فقدوا كل ما يؤهلهم للتمتع بها، بعد أن ضيعوا العمر وراء المناضد التافهة ولا يعرفون ماذا يفعلون بحريتهم ، فيصابون بحنين لرقّهم القديم، والحنين رقّ آخر. ”

يصعب في الحقيقة وضع الرواية هذه في قالب معيّن ، وأنا على يقين بأنها ستلامس منكم ، اهتماماً معيناً ، شغفاً معيناً وستصبح حينها رواية له !
… (mer)

لو لم يركب جبرا ابراهيم جبرا البحر ويمرّ بتجربة السفر الطويل حيث لا شيء سوى المتوسط والسماء لما كانت هذه الرواية خرجت بهذه الروعة.
أودّ أن أقول لكل من يفكر في كتابة تجربة كهذه بالتفكير مجددا قبل الاقدام عليها!
يبدأ جبرا كتابه بالإهداء الجميل ” إلى الذين لولا حبّهم ما كانت هذه السفينة ” .
ويتوالى السرد بالانتقال بين شخصيات الرواية الاساسية عصام ووديع ولمى وزوجها وغيرهم ، ركّاب على متن هذه السفينة تظهر حكاياتهم المدهشة المتداخلة بطريقة أو بأخرى دون أن يتقصدوا.
كل منهم يحمل بداخله سرّ موجع ، كل بداخله هرب من أي شيء وكلّ شيء ، يتبّع جبرا اسلوب الامساك بتلابيبكم وأنتم تقرؤون له وعبثاً تحاولون الفكاك.
قرأت هذا الكتاب في جلسة واحدة ولولا أن داهمني النعاس لما توقفت ، كتب جبرا للحياة والحبّ والنضال ، وصوّر حياة الوطن العربي من الخليج إلى المحيط في فترة غابت أو غيّبت عنا ، إلا من أولئك الذين عاشوها وعاصروها لتذهب طيّ النسيان إما بوفاتهم أو بتغيب شهيتهم للحديث عنها !
لا أستطيع اقتباس أي مشهد أو مقطع ، الكتب الرائعة هي تلك التي تجعلك متحيرا أمام اختيار اجمل ما فيها ،
السفينة رواية للقراءات المتعددة.

يبقى أن أشير إلى دار النشر ، إذ يهمّ كثيرا الحصول على الرواية منها وهي دار الآداب .
… (mer)

مجموعة قصصية لأحد كتّابي المفضلين، لم أكن ابحث عن شيء قبل وبعد القراءة، المتعة هي ما بحثت عنه صحيح.
وهذا نادراً ما يحصل مع اي كتاب، عندما تقرأ لكاتب مفضل تضع كل التوقعات على الرفّ وتبتهج، تقول انه لن يخذلك حتى وان لمست بعض النصوص التي تقل عن المستوى المأمول..
في هذه المجموعة تقديم من جبرا نفسه ومن توفيق صايغ حول الفترة الزمنية التي كتبت فيها ، وجمعها واعادة نشرها، وحول اللغة والشخصيات والثيمات السائدة، لستُ أدري أيهما افضل ؟ البدء بالقراءة للكاتب من خلال عمله الاشهر مثل رواية له مثلاً أو من خلال مجموعة قصصية مبتدئة مثل هذه..
كلاهما يجوز بحسب تطلعاتكم ..

: )… (mer)